السبت، 19 ديسمبر 2009

اشارة مرور

عم احمد المصرى موظف بسيط فى احد المصالح الحكومية نحيل هو كعود قصب فرغ من العصير يرتدى نظارة من ذلك النوع الذى يطلق عليه العامة (قعر كوباية ) عندما تنظر اليه تشعر انه من هؤلاء الموظفين الذى لابد وان يكون خلفهم لوحة كتب عليها الصبر بخط كبير.
اليوم يوم خاص فى حياة عم احمد فقد قرر اليوم ان يتناول غذاءه فى المطعم الفاخر الموجود فى الحى الراقى المقابل للمصلحة التى يعمل بها وقد استعد لهذا اليوم منذ اكثر من عام فقد نذر ان يتناول طعامه فى هذا المطعم عندما يحصل على علاوة يوليو .كان دائما ينظر من شباك مكتبه ويتطلع الى الحى المقابل ويحلم لو انه يستطيع ان يعيش هو واسرته فيه ويترك بيته المتهالك فى ذلك الحى المتهالك ولكنه ينزل من احلامه على ارض الواقع فتكاد تكسر عنقه
ينزل من مكتبه سريعا يكاد قلبه يرقص طربا وقد بقى على ميعاد العمل ساعتين ولكنه لم يستطع الانتظار فبمجرد ان حصل على العلاوة حتى عمل خط سير وجعل صديقه بيومى يمضى له عليه وقد ارتدى البدلة التى قام بتفصيليها ليحضر بها المناسبات الهامة عندما اهداه زوج اخته الذى يعمل فى الخليج قطعة من القماشينزل سلالم المصلحة ويتاهب لكى يعبر الى الضفة الاخرى ولكن ياللسوء الحظ فالاشارة تشير الى اللون الاحمر. شئ ما فى نظرات الرجل تشعرك انه لم يعد على مايرام لم يعد كما كان من عشرين عام عندما كان شايا مفعما بالحيوية والطموح.تحين منه التفاته الى الاشاره الحمراء ويعاوده الحلم بالسكن فى هذا الحى الراقى وهو واسرته ولكنه يتذكر ابنه الذى تخرج من اكتر من ست سنوات ولم يجد عمل حتى الان ونظراته التى ينظرها اليه والتى تحمل اتهاما صامتا بالعجز وقلة الحيلة ثم استيقظ على صوت احد راكبى السارات الفاخرة وهو يسب امين الشرطة الذى اراد ان يسحب رخصته بسبب الكلام فى المحمول ثم يتبعها بكلمة (انت مش عارف انت بتكلم مين) فيتتركه امين الشرطة بل ويعتذر له ايضا فيتذكر ابنه الكبير الذى اظطرته الظروف ان يعمل سائق ميكروباص رغم تخرجه من كلية التجارة وكيف اخذ منه امين شرطة الرخصة وكيف رفض ان يعطيه اياها حتى يدفع له مئة جنيه رغم انه لم يرتكب اى مخالفة تحين منه التفاته الى الاشارة التى مازالت حمراء وكانها تابى عليه حتى ان يتمتع بتلك المتعة البسيطة وترفض ان تطئ قدميه هذا الحى الراقى باى حال من الاحوال كان يشعر بان الحى يرفضه وانه حتى لو مات فسيرفض سكانه ان يصلى عليه فى مسجدهم . حقا لا يعرف لماذا لم ينهار حتى الان لماذا لايترك كل شئ ويرحل . كان قد سمع من صديقه بيومى قصة تلك السيدة المريضة التى لديها عشرة اولاد ومزرعة والتى كانت تصحو مبكرا فتعد الطعام ثم تطلق الحيوانات فى الحقل وتزيل الحشائش الضارة منه وحدث ان زارها احد الاطباء وقال له (سيدتى انا لااعرف كيف لم تنهار مقاومتك حتى الان) فقالت له انها لاتملك الوقت للانهيار فكلما شارفت على الانهيار تذكرت انها لم تطعم الاولاد اولم تحلب الابقار او اى شء يمنعها من الانهيار .حسنا هو ايضا لم يكن يملك ترف الانهيار.احيانا يشعر انه طفل ترك ابواه فى السوق وسيعودان حتما لاخذه ولازالت الاشارة حمراءوموج السيارات لايتوقفومازالت الاشارة حمراء ومازال الحى يرفضه
ومازالت الاشارة حمراء
ومازال حلمه بعيدا
ومازالت الاشارة حمراء
ويتردد فى ذهنه مقطع لاغنية لشادية يقول ( ولا شافوا العناد فى عيون الاولاد والعزم اتولد)
ومازالت الاشارة حمراء
ولازال عم احمد فى الانتظارونحن معه
نامل معه ان تفتح الاشارة يوما ماوان يعبر الى الضفة الاخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق